الجزء الثاني
قال حفظه الله : ومما اعتاده كثير من النساء لإظهار فرحهن ما يسمى بالزغاريد ، وهي معروفة لذى عامة النساء فإذا كانت في محيط النساء فلا حرج فيها ، لاسيما إذا كانت بنبرات ليس فيها إثارة ولا فتنة . وأما إذا كانت بنبرات مثيرة أو فانتة ، ويسمعها الرجال الأجانب – وهو الغالب لأنها تكون بصوت مرتفع – فلا يجوز ، لدخوله في عموم الخضوع بالقول المنهي عنه في قوله تعالى :{{ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض }} [الأحزاب :32].وإذا كانت بنبرات عادية وليس فيها تكسر أو إثارة ، فلا حرج فيها ، وإن وصلت إلى سمع الرجال .
والمتأمل في هذه الفتوى وواقع أفراح المسلمين اليوم يجزم بأن الزغاريد بالقيود التي وضعها الشيخ لا تجوز قطعا ، وإليك القيود ثم التعليق عليها.
1 – أولا أن تكون في محيط النساء ..أي دون اختلاط بالرجال والأطفال الذين يميزون عورات النساء .
2 – وأن تكون بنبرات ليس فيها إثارة ولا تكسر للصوت ولا فتنة به ..
3 – وأن لا تكون بصوت مرتفع يسمعها الرجال ..
وهذه القيود كلها منتفية في أفراحنا ، فلا توجد زغردة بدون صوت مرتفع ، ولا دون تكسر وترقيق وترديد وترخيم ، وترجيع ، ولا إثارة ، وهي إنما وجدت أصلا لأثارة الفرح والسرور ،مما يحصل به الفتنة ، ولايمكن أن تكون بين النساء وفي محيطهن دون أن يمسعها الرجال أو الأطفال الذين ظهروا على عورات النساء إلا إذا كنّ في قعر بيت يبعد عن الرجال والأطفال أميال الكلومترات ، فالزغاريد تسمع من مسافات بعيدة ، وأفراحنا فيها إختلاط لا حدود له، وإذا كان أصحاب الفرح ملتزمين بحدود الشرع فإن فيهم الكثير من الأقارب والأرحام الذين لايلتزمون بالضوابط الشرعية ، وكذلك فيهم الغفلة الكبيرة عن الأطفال الذين بلغوا الحلم ، والذين بلغوا سن التمييز ، بحيث لو سئل أحدهم عن صاحبة الصوت لوصفها وصفا دقيقا بليغا .وقد حدث هذا ..
وإذا كان الأمر كذلك فلا يشك أحد أن هذه الزغاريد من المحدثات الشيطانية التي فتحها على ضعاف الإيمان فضلا عن ضعاف العقول ليوقعهم في شباكه .
ثم قرأت فتوى أخرى للدكتور خالد المصلح يرد فيها على سؤال ورد عليه وهو : فضيلة الشيخ ما حكم التصفيق والزغاريد في الأفراح ؟
فأجاب بقوله : التصفيق جائز عند التشجيع وشبهه ، والأحسن تركه فقد كرهه جماعة من أهل العلم ، وقال آخرون بتحريمه .
أما الزغرودة فهي : صوت مرتفع ينتج عن تردد اللسان في الفم ، ويفعل عند الفرح غالبا .وقد استخرج لها بعض العلماء أصلا من السنة ، والذي يظهر أنه يشير إلى ما ذكره بعض أهل العلم من أنه هل يحصل إعلان النكاح بهذه الزغاريد والأصوات أو لا ؟
قال العدوي في حاشيته على الرسالة {ج2/52} : فإن قلت : هل يقوم مقام الدف والدخان ما يحصل الفشو به في زماننا من زغردة ونحوها ، أم لا؟ قلت: الظاهر نعم .
وما استظهره رحمه الله نقله عن بعض فقهاء المالكية ، وهو قول قريب من حيث حصول الإعلان والإفشاء ؛ لأنه صوت مرتفع يفعل عند الفرح ، ولكن قد قال بعض فقهاء المالكية أنه بدعة ، قال في مواهب الجليل {ج2/241} : ومن معنى هذا ما يفعله النساء من الزغردة عند حمل جنازة الصالح ، أو فرح يكون ؛ فإنه من معنى رفع النساء الصوت وأحفظ عن الشيخ أبي علي القروي أنه بدعة يجب النهي عنها .
والقول بالبدعية والنكارة فيما إذا كان عند الجنازة ظاهر بيّن ، أما في الفرح فإنه عادة من العادات ، والأصل فيها الحل ، فالظاهر لي أنه لا بأس بالزغرودة ، لكن ينبغي أن يراعى فيها ألا يصل الصوت إلى الرجال الأجانب والله أعلم .
قلت : ولي على كلامه هذا عدة وقفات :
الوقفة الأولى : مع قوله : وقد استخرج لها بعض العلماء أصلا من السنة ، مع قوله في الأخير أما في الأفراح فإنه عادة من العادات والأصل فيها الحل ..
قلت : هذا تناقض ، وكيف يمكن أن يستخرج لعاداة من العادات غير معروفة عند العرب ولا في زمن التشريع عند المسلمين أصلا من السنة ، وخاصة وقد علمت أن أصل هذه الزغردة هي تسبيحة للشيطان ، كما علمت مافيها من مفاسد , حينئذ لا يقال أنها عادة تُخرج على ما نصت عليه السنة من إعلان النكاح ، وخاصة والمقتضى قائم وهو أن الوسائل التي جعلها الشارع لأعلان النكاح متوفرة وقائمة فلماذا نلجأ إلى العادات لنجعلها عبادات ..؟
الوقفة الثانية: مع قوله : القول بالبدعية والنكارة فيما إذا كان عند الجنازة ظاهر بيّن ، أما في الأفراح فإنه عادة من العادات والأصل الحل ..
قلت : لم يفرق الشيخ أبو علي القروي في الحكم بالبدعية على الزغردة بين حمل الجنازة والفرح وهو الصواب ، وتفريق خالد المصلح لا دليل عليه ، لأنه يقال ما دامت الزغردة عادة من العادات التي سكت عنها الشرع فما هو وجه المنع منها عند حمل الجنازة ؟ وما وجه إجازتها عند إعلان النكاح الذي جاءت فيه أدلة قيدت كثير من العادات التي كانت في الجاهلية كقوله صلى الله عليه وسلم : <<صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة ، صوت عند نعمة ، ورنة عند مصيبة >> والزغردة صوت عند نعمة وهي الفرح ، وكذلك هو صوت عند مصيبة ، فما وجه التفريق ؟ والصواب أنها بدعة كما قال علماء المالكية .
الوقفة الثالثة :مع قوله : لكن ينبغي أن يراعى فيه ألا يصل الصوت إلى الرجال الأجانب ..
قلت : لقد علمت أن الزغردة صوت عالي تطلقه المرأة ويسمع من مكان بعيد ، وقد علمت يا أخي ما في رفع المرأة لصوتها من مفاسد وخاصة وهي تتصنع فيه وترققه ، وترنمه وتكسره وتخضع فيه مما نهاها الله عنه ، فإذا كان في العبادات لم يبح لها رفع الصوت كالأذان والتلبية والتسبيح في الصلاة ، فكيف ، يباح لها في المناسبات أن تطلق صوتها مدويا رقيقا لتفتن به الرجال .
فهذا ما لايقوله عاقل والله أعلم ، اللهم إلا إذا كانت صالات الأفراح للنساء منفصلة تماما عن صالات الرجال ولا يصل الصوت إلى الرجال ، ومع ذلك يقال انها تسبيحة للشيطان .
الوقفة الرابعة : مع قوله : التصفيق جائز عند التشجيع وشبهه ، والأحسن تركه ..
قلت : التصفيق ذمه الله في كتابه لأنه كان عبادة من عبادات المشركين عند البيت ، والقاعدة تقول : إن الذم للشيء والتقبيح له نهي عنه ، وقد أباحه النبي صلى الله عليه وسلم للنساء في الصلاة إذا ناب الإمام أمر ، وهو للضرورة ، ولكن شتان بين تصفيقة بالأصابع المرة أو المرتين بما يحصل التنبيه ، وبين أن يصفقن بطريقة جماعية متناسقة فهذا يشبه إلى حد بعيد تصفيق أهل الجاهلية لذلك فأقل أحواله الكراهة ، والقول بتحريمه أولى ، والله أعلى وأعلم .
وخلاصة هذه المسألة :
1 – أن أصل هذه الزغردة تسبيحة للشيطان وعبادة له ..
2 - أن هذه الزغردة صاحبها عقيدة فاسدة ..
3 - أن هذه الزغردة غير معروفة عند المسلمين في القديم والحديث كما قال الشيخ الفوزان.
4 - هذه الزغردة بدعة عند المصيبة وعند الفرح كما قال المالكية،وهي دخيلة علينا من اليهود
5- أنها صوت يحدثه الجمل في جوفه ، ففيه تشبه الإنسان بالحيوان وقد كرم الله سبحانه بني آدم عن ذلك .
6– أن المرأة منهية عن رفع صوتها فوق الحاجة ،حتى في العبادات ، فكيف بمن ترفعه بهذه الزغردة تغني وتعبر عن فرحها .
7 – أن المرأة منهية عن ترخيم الصوت وتحسينه عند مخاطبة الرجال الأجانب ، فكيف بمن تقصد إلى إثارة الفتنة في قلوب الرجال .
8 – أن الزغردة ، سبيل إلى إثارة الغريزة بالشهوة ، ومنها إثارة الفاحشة ..
9 – أن الزغردة – صوت عند نعمة ملعون .. ورنة عند مصيبة ملعون أيضا لهذه الأمور لايجوز للمرأة أن ترفع صوتها بالزغردة إطلاقا لأنه يكفي في منعها أنها تسبح للشيطان بها . والله أعلم .
ملحق :
بقي لي أن أعلق على ما جاء في جواب الشيخ محمد علي فركوس فيما يخص استقبال العروس بالشموع فقد قال : أما استقبال العروس بالشموع المضاءة فإنها عادة اتخدها بعض النساء ، ولا حرج فيها كذلك إذ لم يقصد بها العبادة – كما يفعل النصارى – أو التشبه بالكفار . والله أعلم .
قلت : أفراحنا تختلف تماما عن أفراح الكفار ، وهذه العادة من عادات الكفار ، وقد نهينا عن التشبه بهم ، قال صلى الله عليه وسلم :<< من تشبه بقوم فهو منهم >> ولا يشترط النية في قصد التشبه ، وإنما يكفي الظاهر لنحكم على المتشبه بأنه تشبه بهم وهذا قول أئمتنا من أهل السنة والجماعة ، وفتح هذا الباب التشبه والأخذ بعادات الكفار وشعاراتهم والتساهل فيه مما يضيع علينا كثيرا من أحكام ديننا ، كما يضيع علينا مسألة الولاء والبراء ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فليتق الله كل مسلم ولينظر ما قدمت نفسه لغد ، إن الله خبير يما تعملون .
لقد كتبت فيها جوابا مختصرا منذ ثلاثة أشهر ، ثم دعت الحاجة إلى تحريرها بهذا الشكل .
وصلى اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الأطهار وصحابتهالأخيار وعلى من تبعهم بإحسان ، وعنا معهم يا رحيم يارحمان إلى دار القرار . آمين .
كتبه :
محب العلم والانصاف على طريقة صالح الأسلاف