يوسف عليه السلام
منتدى عاشقات الاشغال اليدوية
اهلا بيكى زائرتنا الجميله شرفتينا يا عسوله سجلى معانا
او اشتركى فى قناتنا هنا
https://www.youtube.com/channel/UCBHY7_kmw_eOZOf0ABb64Bg
https://www.youtube.com/playlist?list=PLpnz6EhoujAsr71wq5d0ffPGJ9Vmvvr7A
منتدى عاشقات الاشغال اليدوية
اهلا بيكى زائرتنا الجميله شرفتينا يا عسوله سجلى معانا
او اشتركى فى قناتنا هنا
https://www.youtube.com/channel/UCBHY7_kmw_eOZOf0ABb64Bg
https://www.youtube.com/playlist?list=PLpnz6EhoujAsr71wq5d0ffPGJ9Vmvvr7A
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
اعلان
لا تنسى زيارة قناتنا الاشتراك
وتفعيل الجرس
عاشقات الاشغال اليدوية
    اسم الموضوع: خدمات شركات النقليوسف  عليه السلام Emptyالأحد 18 يونيو 2023, 3:19 pm من طرف    اسم الموضوع: صنع شبشب من الملابس القديمهيوسف  عليه السلام Emptyالخميس 20 أكتوبر 2022, 3:43 am من طرف    اسم الموضوع: افضل شركات نقل عفشيوسف  عليه السلام Emptyالأربعاء 14 سبتمبر 2022, 10:14 pm من طرف    اسم الموضوع: انا واعمالى اليدوية فى التلفزيونيوسف  عليه السلام Emptyالسبت 11 يونيو 2022, 4:14 am من طرف    اسم الموضوع: كعك العيد بطعم السمنة البلدى من غير نقطة سمن بلدىيوسف  عليه السلام Emptyالخميس 14 أبريل 2022, 5:44 am من طرف    اسم الموضوع: كسبت قسائم شراء مجانية لموقع جوميا ادخلوا بسرعة 2022يوسف  عليه السلام Emptyالسبت 11 ديسمبر 2021, 9:45 pm من طرف    اسم الموضوع: طريقة عمل السجاد الشاج زى الجاهز بالظبطيوسف  عليه السلام Emptyالإثنين 22 مارس 2021, 5:05 pm من طرف    اسم الموضوع: من قفص الفاكهة عملت افكار باقل التكاليف لتجديد المطبخ وتحويله لتركىيوسف  عليه السلام Emptyالخميس 18 مارس 2021, 4:05 am من طرف    اسم الموضوع: طقم مفارش نول من صنعى وبالطريقه لعيونكميوسف  عليه السلام Emptyالأربعاء 17 مارس 2021, 1:49 am من طرف    اسم الموضوع: عملت منقاش الكعك من غطاء التونةيوسف  عليه السلام Emptyالسبت 13 مارس 2021, 4:57 am من طرف

شاطر | 
 

 يوسف عليه السلام

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
 
 avatar
 
mony_fafa2007
عاشقه استاذه
عاشقه استاذه


سجل فى : 23/06/2011
عدد المساهمات : 164
التقييم : 0


يوسف عليهالسلام

نبذة:


ولد سيدنا يوسف وكان له 11 أخا وكان أبوه يحبه كثيرا وفي ذات ليلةرأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين، فقص على والده ما رأى فقال له ألايقصها على إخوته، ولكن الشيطان وسوس لإخوته فاتفقوا على أن يلقوه في غيابات الجبوادعوا أن الذئب أكله، ثم مر به ناس من البدو فأخذوه وباعوه بثمن بخس واشتراه عزيزمصر وطلب من زوجته أن ترعاه، ولكنها أخذت تراوده عن نفسه فأبى فكادت له ودخل السجن،ثم أظهر الله براءته وخرج من السجن ، واستعمله الملك على شئون الغذاء التي أحسنإدارتها في سنوات القحط، ثم اجتمع شمله مع إخوته ووالديه وخروا له سجدا وتحققترؤياه.

سيرته:

قبل أن نبدأ بقصة يوسف عليهالسلام، نود الإشارة لعدة أمور. أولها اختلاف طريقة رواية قصة يوسف عليه السلام فيالقرآن الكريم عن بقية قصص الأنبياء، فجاءت قصص الأنبياء في عدة سور، بينما جاءتقصة يوسف كاملة في سورة واحدة. قال تعالى في سورة (يوسف):
نَحْنُ نَقُصُّعَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِنكُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (يوسف)
واختلف العلماء لم سميت هذهالقصة أحسن القصص؟ قيل إنها تنفرد من بين قصص القرآن باحتوائها على عالم كامل منالعبر والحكم.. وقيل لأن يوسف تجاوز عن إخوته وصبر عليهم وعفا عنهم.. وقيل لأن فيهاذكر الأنبياء والصالحين، والعفة والغواية، وسير الملوك والممالك، والرجال والنساء،وحيل النساء ومكرهن، وفيها ذكر التوحيد والفقه، وتعبير الرؤيا وتفسيرها، فهي سورةغنية بالمشاهد والانفعالات.. وقيل: إنها سميت أحسن القصص لأن مآل من كانوا فيهاجميعا كان إلى السعادة.

ومع تقديرنا لهذه الأسباب كلها.. نعتقد أن ثمة سببامهما يميز هذه القصة.. إنها تمضي في خط واحد منذ البداية إلى النهاية.. يلتحممضمونها وشكلها، ويفضي بك لإحساس عميق بقهر الله وغلبته ونفاذ أحكامه رغم وقوفالبشر ضدها. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) هذا ما تثبته قصة يوسف بشكل حاسم،لا ينفي حسمه أنه تم بنعومة وإعجاز.
لنمضي الآن بقصة يوسف -عليه السلام- ولنقسمها لعدد من الفصول والمشاهد ليسهل علينا تتبع الأحداث.

المشهد الأول من فصل طفوله يوسف:

ذهب يوسفالصبي الصغير لأبيه، وحكى له عن رؤيا رآها. أخبره بأنه رأى في المنام أحد عشر كوكباوالشمس والقمر ساجدين له. استمع الأب إلى رؤيا ابنه وحذره أن يحكيها لأخوته. فلقدأدرك يعقوب -عليه السلام- بحدسه وبصيرته أن وراء هذه الرؤية شأنا عظيما لهذاالغلام. لذلك نصحه بأن لا يقص رؤياه على إخوته خشية أن يستشعورا ما وراءها لأخيهمالصغير -غير الشقيق، حيث تزوج يعقوب من امرأة ثانية أنجبت له يوسف وشقيقه- فيجدالشيطان من هذا ثغرة في نفوسهم، فتمتلئ نفوسهم بالحقد، فيدبروا له أمرا يسوؤه. استجاب يوسف لتحذير أبيه.. لم يحدث أخوته بما رأى، وأغلب الظن أنهم كانوا يكرهونهإلى الحد الذي يصعب فيه أن يطمئن إليهم ويحكي لهم دخائله الخاصةوأحلامه.

المشهد الثاني:

اجتمع أخوةيوسف يتحدثون في أمره. (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَامِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌإِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) أي نحن مجموعةقوية تدفع وتنفع، فأبونا مخطئ في تفضيل هذين الصبيين على مجموعة من الرجالالنافعين! فاقترح أحدهم حلا للموضوع: (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُأَرْضًا). إنه الحقد وتدخل الشيطان الذي ضخم حب أبيهم ليوسف وإيثاره عليهم حتى جعلهيوازي القتل. أكبر جرائم الأرض قاطبة بعد الشرك بالله. وطرحه في أرض بعيدة نائيةمرادف للقتل، لأنه سيموت هناك لا محاله. ولماذا هذا كله؟! حتى لا يراه أبوه فينساهفيوجه حبه كله لهم. ومن ثم يتوبون عن جريمتهم (وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًاصَالِحِينَ).
قال قائل منهم -حرك الله أعماقه بشفقة خفية، أو أثار الله فيأعماقه رعبا من القتل: ما الداعي لقتله؟ إن كنتم تريدون الخلاص منه، فلنلقه في بئرتمر عليها القوافل.. ستلتقطه قافلة وترحل به بعيدا.. سيختفي عن وجه أبيه.. ويتحققغرضنا من إبعاده.
انهزمت فكرة القتل، واختيرت فكرة النفي والإبعاد. نفهم من هذاأن الأخوة، رغم شرهم وحسدهم، كان في قلوبهم، أو في قلوب بعضهم، بعض خير لم يمتبعد.

المشهد الثالث:

توجه الأبناءلأبيهم يطلبون منه السماح ليوسف بمرافقتهم. دار الحوار بينهم وبين أبيهم بنعومةوعتاب خفي، وإثارة للمشاعر.. مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ ..؟ أيمكن أنيكون يوسف أخانا، وأنت تخاف عليه من بيننا ولا تستأمننا عليه، ونحن نحبه وننصح لهونرعاه؟ لماذا لا ترسله معنا يرتع ويلعب؟
وردا على العتاب الاستنكاري الأول جعليعقوب عليه السلام ينفي -بطريقة غير مباشرة- أنه لا يأمنهم عليه، ويعلل احتجازه معهبقلة صبره على فراقه وخوفه عليه من الذئاب: قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنتَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ .
ففندوا فكرة الذئب الذي يخاف أبوه أن يأكله.. نحن عشرة من الرجال.. فهل نغفلعنه ونحن كثرة؟ نكون خاسرين غير أهل للرجولة لو وقع ذلك.. لن يأكله الذئب ولا داعيللخوف عليه.
وافق الأب تحت ضغط أبنائه.. ليتحقق قدر الله وتتم القصة كما تقتضيمشيئته!

المشهد الرابع:

خرج الأخوةومعهم يوسف، وأخذوه للصحراء. اختاروا بئرا لا ينقطع عنها مرور القوافل وحملوه وهموابإلقائه في البئر.. وأوحى الله إلى يوسف أنه ناج فلا يخاف.. وأنه سيلقاهم بعد يومهمهذا وينبئهم بما فعلوه.
المشهد الخامس:
عند العشاء جاء الأبناء باكين ليحكوالأبيهم قصة الذئب المزعومة. أخبروه بأنهم ذهبوا يستبقون، فجاء ذئب على غفلة، وأكليوسف. لقد ألهاهم الحقد الفائر عن سبك الكذبة، فلو كانوا أهدأ أعصابا ما فعلوها منالمرة الأولى التي يأذن لهم فيها يعقوب باصطحاب يوسف معهم! ولكنهم كانوا معجلين لايصبرون، يخشون ألا تواتيهم الفرصة مرة أخرى. كذلك كان التقاطهم لحكاية الذئب دليلاعلى التسرع، وقد كان أبوهم يحذرهم منها أمس، وهم ينفونها. فلم يكن من المستساغ أنيذهبوا في الصباح ليتركوا يوسف للذئب الذي حذرهم أبوهم منه أمس! وبمثل هذا التسرعجاءوا على قميصه بدم كذب لطخوه به في غير إتقان ونسوا في انفعالهم أن يمزقوا قميصيوسف.. جاءوا بالقميص كما هو سليما، ولكن ملطخا بالدم.. وانتهى كلامهم بدليل قويعلى كذبهم حين قالوا: (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) أيوما أنت بمطمئن لما نقوله، ولو كان هو الصدق، لأنك تشك فينا ولا تطمئن لما نقوله.
أدرك يعقوب من دلائل الحال ومن نداء قلبه ومن الأكذوبة الواضحة، أن يوسف لميأكله الذئب، وأنهم دبروا له مكيدة ما، وأنهم يلفقون له قصة لم تقع، فواجههم بأننفوسهم قد حسنت لهم أمرا منكرا وذللته ويسرت لهم ارتكابه؛ وأنه سيصبر متحملا متجملالا يجزع ولا يفزع ولا يشكو، مستعينا بالله على ما يلفقونه من حيل وأكاذيب: قَالَبَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُالْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ

المشهد الأخيرمن الفصل الأول من حياة سيدنا يوسف عليه السلام:

أثناء وجود يوسفبالبئر، مرت عليه قافلة.. قافلة في طريقها إلى مصر.. قافلة كبيرة.. سارت طويلا حتىسميت سيارة.. توقفوا للتزود بالماء.. وأرسلوا أحدهم للبئر فأدلى الدلو فيه.. تعلقيوسف به.. ظن من دلاه أنه امتلأ بالماء فسحبه.. ففرح بما رأى.. رأى غلاما متعلقابالدلو.. فسرى على يوسف حكم الأشياء المفقودة التي يلتقطها أحد.. يصير عبدا لمنالتقطه.. هكذا كان قانون ذلك الزمان البعيد.
فرح به من وجده في البداية، ثم زهدفيه حين فكر في همه ومسئوليته، وزهد فيه لأنه وجده صبيا صغيرا.. وعزم على التخلصمنه لدى وصوله إلى مصر.. ولم يكد يصل إلى مصر حتى باعه في سوق الرقيق بثمن زهيد،دراهم معدودة. ومن هناك اشتراه رجل تبدو عليه الأهمية



انتهت المحنة الأولى في حياة هذا النبي الكريم،

لبتدأ المحنة الثانية، والفصل الثاني منحياته.


ثم يكشف الله تعالى مضمون القصة البعيد في بدايتها (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). لقد انطبقت جدران العبودية على يوسف. ألقي في البئر، أهين، حرم من أبيه، التقط منالبئر، صار عبدا يباع في الأسواق، اشتراه رجل من مصر، صار مملوكا لهذا الرجل.. انطبقت المأساة، وصار يوسف بلا حول ولا قوة.. هكذا يظن أي إنسان.. غير أن الحقيقةشيء يختلف عن الظن تماما.

ما نتصور نحن أنه مأساة ومحنة وفتنة.. كان هو أولسلم يصعده يوسف في طريقه إلى مجده.. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) .. ينفذتدبيره رغم تدبير الآخرين. ينفذ من خلاله تدبير الآخرين فيفسده ويتحقق وعد الله،وقد وعد الله يوسف بالنبوة.

وها هو ذا يلقي محبته على صاحبه الذي اشتراه.. وها هو ذا السيد يقول لزوجته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا. وليس هذاالسيد رجلا هين الشأن.. إنما هو رجل مهم.. رجل من الطبقة الحاكمة في مصر.. سنعلمبعد قليل أنه وزير من وزراء الملك. وزير خطير سماه القرآن "العزيز"، وكان قدماءالمصريين يطلقون الصفات كأسماء على الوزراء. فهذا العزيز.. وهذا العادل.. وهذاالقوي.. إلى آخره.. وأرجح الآراء أن العزيز هو رئيس وزراء مصر.

وهكذا مكنالله ليوسف في الأرض.. سيتربى كصبي في بيت رجل يحكم. وسيعلمه الله من تأويلالأحاديث والرؤى.. وسيحتاج إليه الملك في مصر يوما. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَىأَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). تم هذا كله من خلال فتنةقاسية تعرض لها يوسف.

ثم يبين لنا المولى عز وجل كرمه على يوسففيقول:

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَنَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) (يوسف)

كان يوسف أجمل رجل في عصره.. وكان نقاءأعماقه وصفاء سريرته يضفيان على وجهه مزيدا من الجمال. وأوتي صحة الحكم علىالأمور.. وأوتي علما بالحياة وأحوالها. وأوتي أسلوبا في الحوار يخضع قلب من يستمعإليه.. وأوتي نبلا وعفة، جعلاه شخصية إنسانية لا تقاوم.

وأدرك سيده أن اللهقد أكرمه بإرسال يوسف إليه.. اكتشف أن يوسف أكثر من رأى في حياته أمانة واستقامةوشهامة وكرما.. وجعله سيده مسئولا عن بيته وأكرمه وعامله كابنه.

ويبدأ المشهد الأول من الفصل الثاني في حياته:

في هذاالمشهد تبدأ محنة يوسف الثانية، وهي أشد وأعمق من المحنة الأولى. جاءته وقد أوتيصحة الحكم وأوتي العلم -رحمة من الله- ليواجهها وينجو منها جزاء إحسانه الذي سجلهالله له في قرآنه. يذكر الله تعالى هذه المحنة في كتابهالكريم:

وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِوَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُرَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْهَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَلِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) (يوسف)

لا يذكر السياق القرآني شيئا عن سنها وسنه، فلننظر في ذلك منباب التقدير. لقد أحضر يوسف صبيا من البئر، كانت هي زوجة في الثلاثة والعشرين مثلا،وكان هو في الثانية عشرا. بعد ثلاثة عشر عاما صارت هي في السادسة والثلاثين ووصلعمره إلى الخامسة والعشرين. أغلب الظن أن الأمر كذلك. إن تصرف المرأة في الحادثةوما بعدها يشير إلى أنها مكتملة جريئة.

والآن، لنتدبر معنا في كلمات هذهالآيات.

(وَرَاوَدَتْهُ) صراحة (عَن نَّفْسِهِ )، وأغلقت (الأَبْوَابَوَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ). لن تفر مني هذه المرة. هذا يعني أنه كانت هناك مرات سابقةفر فيها منها. مرات سابقة لم تكن الدعوة فيها بهذه الصراحة وهذا التعري. فيبدوا أنامرأة العزيز سئمت تجاهل يوسف لتلميحاتها المستمرة وإباءه.. فقررت أن تغير خطتها. خرجت من التلميح إلى التصريح.. أغلقت الأبواب ومزقت أقنعة الحياء وصرحت بحبهاوطالبته بنفسه.

ثم يتجاوزز السياق القرآني الحوار الذي دار بين امرأة العزيزويوسف عليه السلام، ولنا أن نتصور كيف حاولت إغراءه إما بلباسها أو كلماتها أوحركاتها. لكن ما يهمنا هنا هو موقف يوسف -عليه السلام- من هذا الإغواء.

يقفهذا النبي الكريم في وجه سيدته قائلا (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّيأَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أعيذ نفسي بالله أن أفعلهذا مع زوجة من أكرمني بأن نجاني من الجب وجعل في هذه الدار مثواي الطيب الآمن. ولايفلح الظالمون الذين يتجاوزون حدود الله، فيرتكبون ما تدعينني اللحظةإليه.

ثم (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَرَبِّهِ) اتفق المفسرون حول همها بالمعصية، واختلفوا حول همه. فمنهم من أخذبالإسرائيليات وذكر أن يعقوب ظهر له، أو جبريل نزل إليه، لكن التلفيق والاختلاقظاهر في هذه الزوايات الإسرائيلية. ومن قائل: إنها همت به تقصد المعصية وهم بهايقصد المعصية ولم يفعل، ومن قائل: إنها همت به لتقبله وهم بها ليضربها، ومن قائل: إن هذا الهم كان بينهما قبل الحادث. كان حركة نفسية داخل نفس يوسف في السن التياجتاز فيها فترة المراهقة. ثم صرف الله عنه. وأفضل تفسير تطمئن إليه نفسي أن هناكتقديما وتأخيرا في الآية.

قال أبو حاتم: كنت أقرأ غريب القرآن على أبيعبيدة، فلما أتيت على قوله تعالى: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا). قال أبوعبيدة: هذا على التقديم والتأخير. بمعنى ولقد همت به.. ولولا أن رأى برهان ربه لهمبها. يستقيم هذا التفسير مع عصمة الأنبياء.. كما يستقيم مع روح الآيات التي تلحقهمباشرة (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْعِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) وهذه الآية التي تثبت أن يوسف من عباد الله المخلصين،تقطع في نفس الوقت بنجاته من سلطان الشيطان. قال تعالى لإبليس يوم الخلق (إِنَّعِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) وما دام يوسف من عباده المخلصين، فقدوضح الأمر بالنسبة إليه. لا يعني هذا أن يوسف كان يخلو من مشاعر الرجولة، ولا يعنيهذا أنه كان في نقاء الملائكة وعدم احتفالهم بالحس. إنما يعني أنه تعرض لإغراء طويلقاومه فلم تمل نفسه يوما، ثم أسكنها تقواها كونه مطلعا على برهان ربه، عارفا أنهيوسف بن يعقوب النبي، ابن إسحق النبي، ابن إبراهيم جد الأنبياء وخليلالرحمن.

يبدو أن يوسف -عليه السلام- آثر الانصراف متجها إلى الباب حتى لايتطور الأمر أكثر. لكن امرأة العزيز لحقت به لتمسكه، تدفهعا الشهوة لذلك. فأمسكتقميصه من الخلف، فتمزق في يدها. وهنا تقطع المفاجأة. فتح الباب زوجها -العزيز. وهناتتبدى المرأة المكتملة، فتجد الجواب حاضرا على السؤال البديهي الذي يطرح الموقف. فتقول متهمة الفتى: قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَنيُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

واقترحت هذه المراة -العاشقة- سريعا العقاب -المأمون- الواجب تنفيذه على يوسف، خشية أن يفتك به العزيز من شدة غضبه. بيّنتللعزيز أن أفضل عقاب له هو السجن. بعد هذا الاتهام الباطل والحكم السريع جهر يوسفبالحقيقة ليدافع عن نفسه: قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي

تجاوزالسياق القرآني رد الزوج، لكنه بين كيفية تبرأة يوسف -عليه السلام- من هذه التهمةالباطلة:

وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنقُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِندُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّمِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) (يوسف)

لا نعلم إن كان الشاهد مرافقا للزوج منذ البداية، أم أن العزيزاستدعاه بعد الحادثة ليأخذ برأيه.. كما أشارت بعض الروايات أن هذا الشاهد رجل كبير،بينما أخبرت روايات أخرى أنه طفل رضيع. كل هذا جائز. وهو لا يغير من الأمر شيئا. مايذكره القرآن أن الشاهد أمرهم بالنظر للقميص، فإن كان ممزقا من الأمام فذلك من أثرمدافعتها له وهو يريد الاعتداء عليها فهي صادقة وهو كاذب. وإن كان قميصه ممزقا منالخلف فهو إذن من أثر تملصه منها وتعقبها هي له حتى الباب، فهي كاذبة وهو صادق.

فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّإِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) (يوسف)

فتأكد الزوج من خيانة زوجته عندمارأى قميص يوسف ممزق من الخلف. لكن الدم لم يثر في عروقه ولم يصرخ ولم يغضب. فرضتعليه قيم الطبقة الراقية التي وقع فيها الحادث أن يواجه الموقف بلباقة وتلطف.. نسبما فعلته إلى كيد النساء عموما. وصرح بأن كيد النساء عموم عظيم. وهكذا سيق الأمركما لو كان ثناء يساق. ولا نحسب أنه يسوء المرأة أن يقال لها: (إِنَّ كَيْدَكُنَّعَظِيمٌ). فهو دلالة على أنها أنثى كاملة مستوفية لمقدرة الأنثى على الكيد. بعدهاالتفت الزوج إلى يوسف قائلا له: (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا) أهمل هذا الموضوعولا تعره اهتماما ولا تتحدث به. هذا هو المهم.. المحافظة على الظواهر.. ثم يوجه عظة -مختصرة- للمرأة التي ضبطت متلبسة بمراودة فتاها عن نفسها وتمزيق قميصه: (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ).

انتهى الحادثالأول.. لكن الفتنة لم تنته.. فلم يفصل سيد البيت بين المرأة وفتاها.. كل ما طلبههو إغلاق الحديث في هذا الموضوع. غير أن هذا الموضوع بالذات. وهذا الأمر يصعبتحقيقه في قصر يمتلئ بالخدم والخادمات والمستشارينوالوصيفات.



المشهدالثاني:

بدأ الموضوع ينتشر.. خرج من القصر إلى قصورالطبقة الراقية يومها.. ووجدت فيه نساء هذه الطبقة مادة شهية للحديث. إن خلو حياةهذه الطبقات من المعنى، وانصرافها إلى اللهو، يخلعان أهمية قصوى على الفضائح التيترتبط بشخصيات شهيرة.. وزاد حديث المدينة (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِامْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّاإِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) وانتقل الخبر من فم إلى فم.. ومن بيت إلىبيت.. حتى وصل لامرأة العزيز.

المشهدالثالث:

فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّوَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًاوَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَأَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌكَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُعَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّوَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) (يوسف)
عندما سمعت امرأة العزيز بماتتناقله نساء الطبقة العليا عنها، قررت أن تعد مأدبة كبيرة في القصر. وأعدت الوسائدحتى يتكئ عليها المدعوات. واختارت ألوان الطعام والشراب وأمرت أن توضع السكاكينالحادة إلى جوار الطعام المقدم. ووجهت الدعوة لكل من تحدثت عنها. وبينما هن منشغلاتبتقطيع اللحم أو تقشير الفاكهة، فاجأتهن بيوسف: وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّفَلَمَّا
(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) بهتن لطلعته، ودهشن. (وَقَطَّعْنَأَيْدِيَهُنَّ) وجرحن أيديهن بالسكاكين للدهشة المفاجئة. (وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ) وهي كلمة تنزيه تقال في هذا الموضع تعبيرا عن الدهشة بصنع الله.. (مَا هَـذَابَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) يتضح من هذه التعبيرات أن شيئا منديانات التوحيد تسربت لأهل ذلك الزمان.

ورأت المرأة أنها انتصرت على نساءطبقتها، وأنهن لقين من طلعة يوسف الدهش والإعجاب والذهول. فقالت قولة المرأةالمنتصرة، التي لا تستحي أمام النساء من بنات ***ها وطبقتها، والتي تفتخر عليهن بأنهذا متناول يدها؛ وإن كان قد استعصم في المرة الأولى فهي ستحاول المرة تلو الأخرىإلى أن يلين: انظرن ماذا لقيتن منه من البهر والدهش والإعجاب! لقد بهرني مثلكنفراودته عن نفسه لكنه استعصم، وإن لم يطعني سآمر بسجنه لأذلّه.
إنها لم ترى بأسامن الجهر بنزواتها الأنثوية أما نساء طبقتها. فقالتها بكل إصرار وتبجح، قالتهامبيّنة أن الإغراء الجديد تحت التهديد.
واندفع النسوة كلهم إليه يراودنه عننفسه.. كل منهن أرادته لنفسها.. ويدلنا على ذلك أمران. الدليل الأول هو قول يوسفعليه السلام (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) فلميقل (ما تدعوني إليه).. والأمر الآخر هو سؤال الملك لهم فيما بعد (قَالَ مَاخَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ).

أمام هذه الدعوات -سواء كانت بالقول أم بالحركات واللفتات- استنجد يوسف بربه ليصرف عنه محاولاتهنلإيقاعه في حبائلهن، خيفة أن يضعف في لحظة أمام الإغراء الدائم، فيقع فيما يخشاهعلى نفسه. دعى يوسف الله دعاء الإنسان العارف ببشريته، الذي لا يغتر بعصمته؛ فيريدمزيدا من عناية الله وحياطته، ويعاونه على ما يعترضه من فتة وكيد وإغراء. (قَالَرَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْعَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) واستجاب لهالله.. وصرف عنه كيد النسوة.
وهذا الصرف قد يكون بإدخال اليأس في نفوسهن مناستجابته لهن، بعد هذه التجربة؛ أو بزيادة انصرافه عن الإغراء حتى ما يحس في نفسهأثرا منه. أو بهما جميعا. وهكذا اجتاز يوسف المحنة الثانية بلطف الله ورعايته، فهوالذي سمع الكيد ويسمع الدعاء، ويعلم ما وراء الكيد وما وراء الدعاء.

ما انتهت المحنة الثانية إلا لتبدأ الثالثة.. لكن هذه الثالثة هي آخرمحن الشدة.

يسجن يوسف عليه السلاموالفصل الثالث من حياته:

ربما كان دخوله للسجن بسببانتشار قصته مع امرأة العزيز ونساء طبقتها، فلم يجد أصحاب هذه البيوت طريقة لإسكاتهذه الألسنة سوى سجن هذا الفتى الذي دلت كل الآيات على برائته، لتنسى القصة. قالتعالى في سورة (يوسف):
ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِلَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) (يوسف)
وهكذا ترسم الآية الموجزة جو هذاالعصر بأكمله.. جو الفساد الداخلي في القصور، جو الأوساط الأرستقراطية.. وجو الحكمالمطلق.
إن حلول المشكلات في الحكم المطلق هي السجن.. وليس هذا بغريب على منيعبد آلهة متعددة. كانوا على عبادة غير الله.. ولقد رأينا من قبل كيف تضيع حرياتالناس حين ينصرفون عن عبادة الله إلى عبادة غيره. وها نحن أولاء نرى في قصة يوسفشاهدا حيا يصيب حتى الأنبياء. صدر قرارا باعتقاله وأدخل السجن. بلا قضية ولامحاكمة، ببساطة ويسر.. لا يصعب في مجتمع تحكمه آلهة متعددة أن يسجن بريء. بل لعلالصعوبة تكمن في محاولة شيء غير ذلك.
دخل يوسف السجن ثابت القلب هادئ الأعصابأقرب إلى الفرح لأنه نجا من إلحاح زوجة العزيز ورفيقاتها، وثرثرة وتطفلات الخدم. كان السجن بالنسبة إليه مكانا هادئا يخلو فيه ويفكر في ربه.

ويبين لنا القرآن الكريم المشهد الأول من هذاالفصل:

يختصر السياق القرآني ما كان من أمر يوسف فيالسجن.. لكن الواضح أن يوسف -عليه السلام- انتهز فرصة وجوده في السجن، ليقومبالدعوة إلى الله. مما جعل السجناء يتوسمون فيه الطيبة والصلاح وإحسان العبادةوالذكر والسلوك.

انتهز يوسف -عليه السلام- هذه الفرصة ليحدث الناس عن رحمةالخالق وعظمته وحبه لمخلوقاته، كان يسأل الناس: أيهما أفضل.. أن ينهزم العقل ويعبدأربابا متفرقين.. أم ينتصر العقل ويعبد رب الكون العظيم؟ وكان يقيم عليهم الحجةبتساؤلاته الهادئة وحواره الذكي وصفاء ذهنه، ونقاء دعوته.
وفي أحد الأيام،قَدِمَ له سجينان يسألانه تفسير أحلامهما، بعد أن توسما في وجهه الخير. إن أول ماقام به يوسف -عليه السلام- هو طمأنتهما أنه سيؤول لهم الرؤى، لأن ربه علمه علماخاصا، جزاء على تجرده هو وآباؤه من قبله لعبادته وحده، وتخلصه من عبادة الشركاء.. وبذلك يكسب ثقتهما منذ اللحظة الأولى بقدرته على تأويل رؤياهما، كما يكسب ثقتهماكذلك لدينه. ثم بدأ بدعوتهما إلى التوحيد، وتبيان ما هم عليه من الظلال. قام بكلهذا برفق ولطف ليدخل إلى النفوس بلا مقاومة.

بعد ذلك فسر لهما الرؤى. بيّنلهما أن أحدها سيصلب، والآخر سينجو، وسيعمل في قصر الملك. لكنه لم يحدد من هو صاحبالبشرى ومن هو صاحب المصير السيئ تلطفا وتحرجا من المواجهة بالشر والسوء. وتروي بعضالتفاسير أن هؤلاء الرجلين كانا يعملان في القصر، أحدهما طباخا، والآخر يسقي الناس،وقد اتهما بمحاولة تسميم الملك.
أوصى يوسف من سينجو منهما أن يذكر حاله عنالملك. لكن الرجل لم ينفذ الوصية. فربما ألهته حياة القصر المزدحمة يوسف وأمره. فلبث في السجن بضع سنين. أراد الله بهذا أن يعلم يوسف -عليه السلام- درسا.
فقدورد في إحدى الرويات أنه جاءه جبريل قال: يا يوسف من نجّاك من إخوتك؟ قال: الله. قال: من أنقذك من الجب؟ قال: الله. قال: من حررك بعد أن صرت عبدا؟ قال: الله. قال: من عصمك من النساء؟ قال: الله. قال: فعلام تطلب النجاة من غيره؟
وقد يكون هذاالأمر زيادة في كرم الله عليه واصطفاءه له، فلم يجعل قضاء حاجته على يد عبد ولا سببيرتبط بعبد.

المشهد الثاني:

في هذا المشهد تبدأ نقطة التحول.. التحول من محن الشدة إلى محنالرخاء.. من محنة العبودية والرق لمحنة السلطة والملك.
في قصر الحكم.. وفي مجلسالملك: يحكي الملك لحاشيته رؤياه طالبا منهم تفسيرا لها. (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّيأَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍخُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنكُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) لكن المستشارين والكهنة لم يقوموا بالتفسير. ربمالأنهم لم يعرفوا تفسيرها، أو أنهم أحسوا أنها رؤيا سوء فخشوا أن يفسروها للملك،وأرادوا أن يأتي التفسير من خارج الحاشية -التي تعودت على قول كل ما يسر الملك فقط. وعللوا عدم التفسير بأن قالوا للملك أنها أجزاء من أحلام مختلطة ببعضها البعض، ليسترؤيا كاملة يمكن تأويلها.

المشهدالثالث:

وصل الخبر إلى الساقي -الذي نجا من السجن.. تداعت أفكاره وذكره حلم الملك بحلمه الذي رآه في السجن، وذكره السجن بتأويل يوسفلحلمه. وأسرع إلى الملك وحدثه عن يوسف. قال له: إن يوسف هو الوحيد الذي يستطيعتفسير رؤياك.

وأرسل الملك ساقيه إلى السجن ليسأل يوسف. ويبين لنا الحقسبحانه كيف نقل الساقي رؤيا الملك ليوسف بتعبيرات الملك نفسها، لأنه هنا بصدد تفسيرحلم، وهو يريد أن يكون التفسير مطابقا تماما لما رءاه الملك. وكان الساقي يسمي يوسفبالصديق، أي الصادق الكثير الصدق.. وهذا ما جربه من شأنه من قبل.

جاء الوقتواحتاج الملك إلى رأي يوسف.. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَالنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). سُئِلَ يوسف عن تفسير حلم الملك.. فلم يشترط خروجه منالسجن مقابل تفسيره. لم يساوم ولم يتردد ولم يقل شيئا غير تفسير الرؤيا.. هكذاببراءة النبي حين يلجأ إليه الناس فيغيثهم.. وإن كان هؤلاء أنفسهم سجانيهوجلاديه.

لم يقم يسوف -عليه السلام- بالتفسير المباشر المجرد للرؤيا. وإنماقدم مع التفسير النصح وطريقة مواجهة المصاعب التي ستمر بها مصر. أفهم يوسف رسولالملك أن مصر ستمر عليها سبع سنوات مخصبة تجود فيها الأرض بالغلات. وعلى المصريينألا يسرفوا في هذه السنوات السبع. لأن وراءها سبع سنوات مجدبة ستأكل ما يخزنهالمصريون، وأفضل خزن للغلال أن تترك في سنابلها كي لا تفسد أو يصيبها السوس أو يؤثرعليها الجو.

بهذا انتهى حلم الملك.. وزاد يوسف تأويله لحلم الملك بالحديث عنعام لم يحلم به الملك، عام من الرخاء. عام يغاث فيه الناس بالزرع والماء، وتنموكرومهم فيعصرون خمرا، وينمو سمسمهم وزيتونهم فيعصرون زيتا. كان هذا العام الذي لايقابله رمز في حلم الملك. علما خاصا أوتيه يوسف. فبشر به الساقي ليبشر به الملكوالناس.

المشهد الرابع:

عاد الساقي إلى الملك. أخبره بما قال يوسف، دهش الملك دهشة شديدة. ما هذا السجين..؟ إنه يتنبأ لهم بما سيقع، ويوجههم لعلاجه.. دون أن ينتظر أجرا أوجزاء. أو يشترط خروجا أو مكافأة. فأصدر الملك أمره بإخراج يوسف من السجن وإحضارهفورا إليه. ذهب رسول الملك إلى السجن. ولا نعرف إن كان هو الساقي الذي جاءه أولمرة. أم أنه شخصية رفيعة مكلفة بهذه الشؤون. ذهب إليه في سجنه. رجا منه أن يخرجللقاء الملك.. فهو يطلبه على عجل. رفض يوسف أن يخرج من السجن إلا إذا ثبتت براءته. لقد رباه ربه وأدبه. ولقد سكبت هذه التربية وهذا الأدب في قلبه السكينة والثقةوالطمأنينة. ويظهر أثر التربية واضحا في الفارق بين الموقفين: الموقف الذي يقوليوسف فيه للفتى: اذكرني عند ربك، والموقف الذي يقول فيه: ارجع إلى ربك فاسأله مابال النسوة الاتي قطعن أيدهن، الفارق بين الموقفين كبير.

المشهد الخامس:

تجاوز السياقالقرآني عما حدث بين الملك ورسوله، وردة فعل الملك. ليقف بنا أمام المحاكة. وسؤالالملك لنساء الطبقة العليا عما فعلنه مع يوسف. يبدوا أن الملك سأل عن القصة ليكونعلى بينة من الظروف قبل أن يبدأ التحقيق، لذلك جاء سؤاله دقيقا للنساء. فاعترفالنساء بالحقيقة التي يصعب إنكارها (قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِمِن سُوءٍ).

وهنا تتقدم المرأة المحبة ليوسف، التي يئست منه، ولكنها لاتستطيع أن تخلص من تعلقها به.. تتقدم لتقول كل شيء بصراحة. يصور السياق القرآني لنااعتراف امرأة العزيز، بألفاظ موحية، تشي بما وراءها من انفعالات ومشاعر عميقة (أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) شهادة كاملةبإثمها هي، وبراءته ونظافته وصدقه هو. شهادة لا يدفع إليها خوف أو خشية أو أياعتبار آخر.. يشي السياق القرآني بحافز أعمق من هذا كله. حرصها على أن يحترمهاالرجل الذي أهان كبرياءها الأنثوية، ولم يعبأ بفتنتها الجسدية. ومحاولة يائسةلتصحيح صورتها في ذهنه. لا تريده أن يستمر على تعاليهواحتقاره لها كخاطئة. تريد أنتصحح فكرته عنها: (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ). لست بهذاالسوء الذي يتصوره فيني. ثم تمضي في هذه المحاولة والعودة إلى الفضيلة التي يحبهايوسف ويقدرها (وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ). وتمضي خطوة أخرىفي هذه المشاعر الطيبة (وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌبِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

إنتأمل الآيات يوحي بأن امرأة العزيز قد تحولت إلى دين يوسف. تحولت إلى التوحيد. إنسجن يوسف كان نقلة هائلة في حياتها. آمنت بربه واعتنقت ديانته.

ويصدر الأمرالملكي بالإفراج عنه وإحضاره.

يهمل السياق القرآني بعد ذلك قصة امرأةالعزيز تماما، يسقطها من المشاهد، فلا نعرف ماذا كان من أمرها بعد شهادتها الجريئةالتي أعلنت فيها ضمنا إيمانها بدين يوسف.

وقد لعبت الأساطير دورها في قصةالمرأة.. قيل: إن زوجها مات وتزوجت من يوسف، فاكتشف أنها عذراء، واعترفت له أنزوجها كان شيخا لا يقرب النساء.. وقيل: إن بصرها ضاع بسبب استمرارها في البكاء علىيوسف، خرجت من قصرها وتاهت في طرقات المدينة، فلما صار يوسف كبيرا للوزراء، ومضىموكبه يوما هتفت به امرأة ضريرة تتكفف الناس: سبحان من جعل الملوك عبيدا بالمعصية،وجعل العبيد ملوكا بالطاعة.

سأل يوسف: صوت من هذا؟ قيل له: امرأة العزيز. انحدر حالها بعد عز. واستدعاها يوسف وسألها: هل تجدين في نفسك من حبك ليشيئا؟

قالت: نظرة إلى وجهك أحب إلي من الدنيا يا يوسف.. ناولني نهاية سوطك. فناولها. فوضعته على صدرها، فوجد السوط يهتز في يده اضطرابا وارتعاشا من خفقانقلبها.

وقيلت أساطير أخرى، يبدو فيها أثر المخيلة الشعبية وهي تنسج قمةالدراما بانهيار العاشقة إلى الحضيض.. غير أن السياق القرآني تجاوز تماما نهايةالمرأة.

أغفلها من سياق القصة، بعد أن شهدت ليوسف.. وهذا يخدم الغرض الدينيفي القصة، فالقصة أساسا قصة يوسف وليست قصة المرأة.. وهذا أيضا يخدم الغرض الفني.. لقد ظهرت المرأة ثم اختفت في الوقت المناسب.. اختفت في قمة مأساتها.. وشاب اختفاءهاغموض فني معجز.. ولربما بقيت في الذاكرة باختفائها هذا زمنا أطول مما كانت تقضيه لوعرفنا بقية قصتها.
ويبدأ فصل جديد منفصول حياة يوسف عليه السلام:

بعد ما رأى الملك منأمر يوسف. براءته، وعلمه، وعدم تهافته على الملك. عرف أنه أمام رجل كريم، فلم يطلبهليشكره أو يثني عليه، وإنما طلبه ليكون مستشاره. وعندما جلس معه وكلمه، تحقق له صدقما توسمه فيه. فطمئنه على أنه ذو مكانه وفي أمان عنده. فماذا قال يوسف؟

لميغرق الملك شكرا، ولم يقل له: عشت يا مولاي وأنا عبدك الخاضع أو خادمك الأمين، كمايفعل المتملقون للطواغيت؛ كلا إنما طالب بما يعتقد أنه قادر على أن ينهض به منالأعباء في الازمة القادمة.

كما وأورد القرطبي في تفسيره. أن الملك قال فيماقاله: لو جمعت أهل مصر ما أطاقوا هذا الأمر.. ولم يكونوا فيه أمناء.

كانالملك يقصد الطبقة الحاكمة وما حولها من طبقات.. إن العثور على الأمانة في الطبقةالمترفة شديد الصعوبة.

اعتراف الملك ليوسف بهذه الحقيقة زاد من عزمه علىتولي هذا الامر، لأنقاذ مصر وما حولها من البلاد من هذه المجاعة.. قال يوسف: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ). لم يكن يوسف فيكلمته يقصد النفع أو الاستفادة. على العكس من ذلك. كان يحتمل أمانة إطعام شعوبجائعة لمدة سبع سنوات.. شعوب يمكن أن تمزق حكامها لو جاعت.. كان الموضوع في حقيقتهتضحية من يوسف.

لا يثبت السياق القرآني أن الملك وافق.. فكأنما يقول القرآنالكريم إن الطلب تضمن الموافقة.. زيادة في تكريم يوسف، وإظهار مكانته عند الملك.. يكفي أن يقول ليجاب.. بل ليكون قوله هو الجواب، ومن ثم يحذف رد الملك.. ويفهمناشريط الصور المعروضة أن يوسف قد صار في المكان الذي اقترحه.

وهكذا مكن اللهليوسف في الأرض.. صار مسؤولا عن خزائن مصر واقتصادها.. صار كبيرا للوزراء.. وجاء فيرواية أن الملك قال ليوسف: يا يوسف ليس لي من الحكم إلا الكرسي.. ولا ينبئنا السياقالقرآني كيف تصرف يوسف في مصر.. نعرف أنه حكيم عليم.. نعرف أنه أمين وصادق.. لا خوفإذا على اقتصاد مصر.

المشهد الثاني من هذاالفصل:

دارت عجلة الزمن.. طوى السياق دورتها، ومر مرورا سريعا علىسنوات الرخاء، وجاءت سنوات المجاعة.. وهنا يغفل السياق القرآني بعد ذلك ذكر الملكوالوزراء في السورة كلها.. كأن الأمر كله قد صار ليوسف. الذي اضطلع بالعبء فيالأزمة الخانقة الرهيبة. وأبرز يوسف وحده على مسرح الحوادث, وسلط عليه كلالأضواء.

أما فعل الجدب والمجاعة فقد أبرزه السياق في مشهد إخوة يوسف, يجيئون من البدو من أرض كنعان البعيدة يبحثون عن الطعام في مصر. ومن ذلك ندرك اتساعدائرة المجاعة, كما كيف صارت مصر - بتدبير يوسف - محط أنظار جيرانها ومخزن الطعامفي المنطقة كلها.

لقد اجتاح الجدب والمجاعة أرض كنعان وما حولها. فاتجه إخوةيوسف - فيمن يتجهون - إلى مصر. وقد تسامع الناس بما فيها من فائض الغلة منذ السنواتالسمان. فدخلوا على عزيز مصر, وهم لا يعلمون أن أخاهم هو العزيز. إنه يعرفهم فهم لميتغيروا كثيرا. أما يوسف فإن خيالهم لا يتصور قط أنه العزيز! وأين الغلام العبرانيالصغير الذي ألقوه في الجب منذ عشرين عاما أو تزيد من عزيز مصر شبه المتوج في سنهوزيه وحرسه ومهابته وخدمه وحشمه وهيله وهيلمانه?

ولم يكشف لهم يوسف عننفسه. فلا بد من دروس يتلقونها: (فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُمُنكِرُونَ ). ولكنا ندرك من السياق أنه أنزلهم منزلا طيبا, ثم أخذ في إعداد الدرسالأول: ( وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْأَبِيكُمْ). فنفهم من هذا أنه تركهم يأنسون إليه, واستدرجهم حتى ذكروا له من هم علىوجه التفصيل, وأن لهم أخا صغيرا من أبيهم لم يحضر معهم لأن أباه يحبه ولا يطيقفراقه. فلما جهزهم بحاجات الرحلة قال لهم: إنه يريد أن يرى أخاهم هذا. (قَالَائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ). وقد رأيتم أنني أوفي الكيل للمشترين. فسأوفيكم نصيبكم حين يجيء معكم; ورأيتم أنني أكرم النزلاء فلا خوف عليه بل سيلقىمني الإكرام المعهود: (أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُالْمُنزِلِينَ ).

ولما كانوا يعلمون كيف يضن أبوهم بأخيهم الأصغر - وبخاصةبعد ذهاب يوسف - فقد أظهروا أن الأمر ليس ميسورا, وإنما في طريقه عقبات من ممانعةأبيهم, وأنهم سيحاولون إقناعه, مع توكيد عزمهم - على الرغم من هذه العقبات - علىإحضاره معهم حين يعودون: (قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّالَفَاعِلُونَ). ولفظ (نراود) يصور الجهد الذي يعلمون أنهم باذلوه.

أما يوسففقد أمر غلمانه أن يدسوا البضاعة التي حضر بها إخوته ليستبدلوا بها القمح والعلف. وقد تكون خليطا من نقد ومن غلات صحراوية أخرى من غلات الشجر الصحراوي, ومن الجلودوسواها مما كان يستخدم في التبادل في الأسواق. أمر غلمانه بدسها في رحالهم - والرحلمتاع المسافر - لعلهم يعرفون حين يرجعون أنها بضاعتهم التي جاءوا بها.

المشهد الثالث:

ندع يوسف في مصر . لنشهد يعقوبوبنيه في أرض كنعان. رجع الأخوة إلى أبيهم.. وقبل أن ينزلوا أحمال الجمال ويفكوامتاعهم، دخلوا على أبيهم. قائلين له بعتاب: إن لم ترسل معنا أخانا الصغير في المرةالقادمة فلن يعطينا عزيز مصر الطعام. وختموا كلامهم بوعد جديد ليعقوب عليه السلام (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).

ويبدوا أن هذا الوعد قد أثار كوامن يعقوب. فهو ذاته وعدهم له في يوسف! فإذا هو يجهز بما أثاره الوعد من شجونه:

قَالَهَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُفَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) (يوسف)

وفتحالأبناء أوعيتهم ليخرجوا ما فيها من غلال.. فإذا هم يجدون فيها بضاعتهم التي ذهبوايشترون بها.. مردودة إليهم مع الغلال والطعام.. ورد الثمن يشير إلى عدم الرغبة فيالبيع، أو هو إنذار بذلك.. وربما كان إحراجا لهم ليعودوا لسداد الثمن مرة أخرى.

وأسرع الأبناء إلى أبيهم (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي) ..لم نكذبعليك.. لقد رد إلينا الثمن الذي ذهبنا نشتري به. هذا معناه أنهم لن يبيعوا لنا إلاإذا ذهب أخونا معنا.

واستمر حوارهم مع الأب.. أفهموه أن حبه لابنه والتصاقهبه يفسدان مصالحهم، ويؤثران على اقتصادهم، وهم يريدون أن يتزودوا أكثر، وسوف يحفظونأخاهم أشد الحفظ وأعظمه.. وانتهى الحوار باستسلام الأب لهم.. بشرط أن يعاهدوه علىالعودة بابنه، إلا إذا خرج الأمر من أيديهم وأحيط بهم.. نصحهم الأب ألا يدخلوا -وهمأحد عشر رجلا- من باب واحد من أبواب بمصر.. كي لا يستلفتوا انتباه أحد.. وربما خشيعليهم أبوهم شيئا كالسرقة أو الحسد.. لا يقول لنا السياق القرآني ماذا كان الأبيخشى، ولو كان الكشف عن السبب مهما لقيل.

المشهدالرابع:

عاد إخوة يوسف الأحد عشر هذه المرة.
وَلَمَّا دَخَلُواْعَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْبِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (69) (يوسف)
يقفز السياق قفزا إلى مشهد يوسف وهويحتضن أخاه ويكشف له وحده سر قرابته، ولا ريب أن هذا لم يحدث فور دخول الإخوة علىيوسف، وإلا لانكشفت لهم قرابة يوسف، إنما وقع هذا في خفاء وتلطف، فلم يشعر إخوته،غير أن السياق المعجز يقفز إلى أول خاطر ساور يوسف عند دخولهم عليه ورؤيته لأخيه.. وهكذا يجعله القرآن أول عمل، لأنه أول خاطر، وهذه من دقائق التعبير في هذا الكتابالعظيم.
يطوي السياق كذلك فترة الضيافة، وما دار فيها بين يوسف وإخوته، ويعرضمشهد الرحيل الأخير.. ها هو ذا يوسف يدبر شيئا لإخوته.. يريد أن يحتفظ بأخيه الصغيرمعه.
يعلم أن احتفاظه بأخيه سيثير أحزان أبيه، وربما حركت الأحزان الجديدةأحزانه القديمة، وربما ذكره هذا الحادث بفقد يوسف.. يعلم يوسف هذا كله.. وها هو ذايرى أخاه.. وليس هناك دافع قاهر لاحتفاظه به، لماذا يفعل ما فعل ويحتفظ بأخيههكذا!؟
يكشف السياق عن السر في ذلك.. إن يوسف يتصرف بوحي من الله.. يريد اللهتعالى أن يصل بابتلائه ليعقوب إلى الذروة.. حتى إذا جاوز به منطقة الألم البشريالمحتمل وغير المحتمل، ورآه صابرا رد عليه ابنيه معا، ورد إليه بصره.
أمر يوسف -عليه السلام- رجاله أن يخفوا كأس الملك الذهبية في متاع أخيه خلسة.. وكانت الكأستستخدم كمكيال للغلال.. وكانت لها قيمتها كمعيار في الوزن إلى جوار قيمتها كذهبخالص. أخفى الكأس في متاع أخيه.. وتهيأ إخوة يوسف للرحيل، ومعهم أخوهم.. ثم أغلقتأبواب العاصمة.. (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْلَسَارِقُونَ)..!!
كانت صرخة الجند تعني وقوف القوافل جميعا.. وانطلق الاتهامفوق رؤوس الجميع كقضاء خفي غامض.. أقبل الناس، وأقبل معهم إخوة يوسف..( مَّاذَاتَفْقِدُونَ)؟
هكذا تسائل إخوة يوسف.. قال الجنود: (نَفْقِدُ صُوَاعَالْمَلِكِ).. ضاعت كأسه الذهبية.. ولمن يجيء بها مكافأة.. سنعطيه حمل بعير منالغلال.
قال إخوة يوسف ببراءة: لم نأت لنفسد في الأرض ونسرق! قال الحراس (وكانيوسف قد وجههم لما يقولونه): أي جزاء تحبون توقيعه على السارق؟
قال إخوة يوسف: في شريعتنا نعتبر من سرق عبدا لمن سرقه.

قال الحارس: سنطبق عليكم قانونكمالخاص.. لن نطبق عليكم القانون المصري الذي يقضي بسجن السارق.
كانت هذه الإجابةكيدا وتدبيرا من الله تعالى، ألهم يوسف أن يحدث بها ضباطه.. ولولا هذا التدبيرالإلهي لامتنع على يوسف أن يأخذ أخاه.. فقد كان دين الملك أو قانونه لا يقضيباسترقاق من سرق. وبدأ التفتيش.
كان هذا الحوار على منظر ومسمع من يوسف، فأمرجنوده بالبدء بتفتيش رحال أخوته أولا قبل تفتيش رحل أخيه الصغير. كي لا يثير شبهةفي نتيجة التفتيش.
اطمأن إخوة يوسف إلى براءتهم من السرقة وتنفسوا الصعداء، فلميبقى إلا أخوهم الصغير. وتم استخراج الكأس من رحله. فأمر يوسف بأخذ أخيه عبدا،قانونهم الذي طبقه القضاء على الحادث.
أعقب ذلك مشهد عنيف المشاعر.. إن إحساسالإخوة براحة الإنقاذ والنجاة من التهمة، جعلهم يستديرون باللوم على شقيق يوسف (قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ) إنهم يتنصلون من تهمةالسرقة.. ويلقونها على هذا الفرع من أبناء يعقوب.

سمع يوسف بأذنيه اتهامهمله، وأحس بحزن عميق.. كتم يوسف أحزانه في نفسه ولم يظهر مشاعره.. قال بينه وبيننفسه(أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ). لم يكن هذاسبابا لهم، بقدر ما كان تقريرا حكيما لقاعدة من قواعد الأمانة. أراد أن يقول بينهوبين نفسه: إنكم بهذا القذف شر مكانا عند الله من المقذوف، لأنكم تقذفون بريئينبتهمة السرقة.. والله أعلم بحقيقة ما تقولون.
سقط الصمت بعد تعليق الإخوةالأخير.. ثم انمحى إحساسهم بالنجاة، وتذكروا يعقوب.. لقد أخذ عليهم عهدا غليظا، ألايفرطوا في ابنه. وبدءوا استرحام يوسف: يوسف أيها العزيز.. يوسف أيها الملك.. إِنَّلَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَالْمُحْسِنِينَ
قال يوسف بهدوء: كيف تريدون أن نترك من وجدنا كأس الملك عنده.. ونأخذ بدلا منه أنسانا آخر..؟ هذا ظلم.. ونحن لا نظلم.
كانت هي الكلمة الأخيرةفي الموقف. وعرفوا أن لا جدوى بعدها من الرجاء، فانسحبوا يفكرون في موقفهم المحرجأمام أبيهم حين يرجعون.

المشهدالخامس:

عقدوا مجلسا يتشاورون فيه. لكن السياق القرآني لا يذكرأقوالهم جميعا. إنما يثبت آخرها الذي يكشف عما انتهوا إليه. ذكر القرآن قول كبيرهمإذ ذكّرهم بالموثق المأخوذ عليهم، كما ذكرهم بتفريطهم في يوسف من قبل. ثم يبينقراره الجازم: ألا يبرح مصر، وألا يواجه أباه، إلا أن يأذن أبوه، أو يقضي الله لهبحكم، فيخض له وينصاع. وطلب منهم أن يرجعوا إلى أبيهم فيخبروه صراحة بأن ابنه سرق،فَاُخِذَ بما سرق. ذلك ما علموه شهدوا به. أما إن كان بريئا، وكا هناك أمر وراء هذاالظاهر لا يعلمونه، فهم غير موكلين بالغيب. وإن كان في شك من قولهم فليسأل أهلالقرية التي كانوا فيها -أي أهل مصر- وليسأل القافلة التي كانوا فيها، فهم لميكونوا وحدهم، فالقوافل الكثيرة كانت ترد مصر لتأخذ الطعام.

المشهد السادس:

فعل الأبناء ما أمرهم به أخوهمالكبير، وحكوا ليعقوب -عليه السلام- ما حدث. استمع يعقوب إليهم وقال بحزن صابر،وعين دامعة: (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَىاللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
(بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) كلمته ذاتها يومفقد يوسف.. لكنه في هذه المرة يضيف إليها ا

{.... توقيع mony_fafa2007 ....}

 مواضيع مماثلة

-
» قصه نوح عليه السلام
» قصه هود عليه السلام
» لوط عليه السلام
» يحي عليه السلام
» يوشع بن نون عليه السلام
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit
 

 ردود موضوع : يوسف عليه السلام

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل
كاتب الموضوعرسالة
 
 avatar
 
mony_fafa2007
عاشقه استاذه
عاشقه استاذه

سجل فى : 23/06/2011
عدد المساهمات : 164
التقييم : 0




مُساهمةموضوع: رد: يوسف عليه السلام   يوسف  عليه السلام Emptyالأربعاء 10 أغسطس 2011, 10:20 pm

المشهد السادس:

فعل الأبناء ما أمرهم به أخوهمالكبير، وحكوا ليعقوب -عليه السلام- ما حدث. استمع يعقوب إليهم وقال بحزن صابر،وعين دامعة: (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَىاللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
(بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) كلمته ذاتها يومفقد يوسف.. لكنه في هذه المرة يضيف إليها الأمل أن يرد الله عليه يوسف وأخاه فيردابنه الآخر المتخلف هناك.
هذا الشعاع من أين جاء إلى قلب هذا الرجل الشيخ؟ إنهالرجاء في الله، والاتصال الوثيق به، والشعور بوجوده ورحمته. وهو مؤمن بأن اللهيعلم حاله، ويعلم ما وراء هذه الأحداث والامتحانات. ويأتي بكل أمر في وقته المناسب،عندما تتحق حكمته في ترتيب الأسباب والنتائج.
(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) وهيصورة مؤثرة للوالد المفجوع. يحس أنه منفرد بهمه، وحيد بمصابه، لا تشاركه هذه القلوبالتي حوله ولا تجاوبه، فينفرد في معزل، يندب فجيعته في ولده الحبيب يوسف. الذي لمينسه، ولم تهوّن من مصيبته السنون، والذي تذكره به نكبته الجديدة في أخيه الأصغرفتغلبه على صبره الجميل. أسلمه البكاء الطويل إلى فقد بصره.. أو ما يشبه فقد بصره. فصارت أمام عينيه غشاوة بسبب البكاء لا يمكن أن يرى بسببها. والكظيم هو الحزين الذيلا يظهر حزنه. ولم يكن يعقوب -عليه السلام- يبكي أمام أحد.. كان بكاؤه شكوى إلىالله لا يعلمها إلا الله.
ثم لاحظ أبناؤه أنه لم يعد يبصر ورجحوا أنه يبكي علىيوسف، وهاجموه في مشاعره الإنسانية كأب.. حذروه بأنه سيهلك نفسه:
قَالُواْتَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَالْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِوَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (86) (يوسف)
ردهم جواب يعقوب إلىحقيقة بكائه.. إنه يشكو همه إلى الله.. ويعلم من الله ما لا يعلمون.. فليتركوه فيبكائه وليصرفوا همهم لشيء أجدى عليهم (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِنيُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنرَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) إنه يكشف لهم في عمق أحزانه عنأمله في روح الله.. إنه يشعر بأن يوسف لم يمت كما أنبئوه.. لم يزل حيا، فليذهبالإخوة بحثا عنه.. وليكن دليلهم في البحث، هذا الأمل العميق في الله.

المشهد السابع:

تحركت القافلة في طريقها إلى مصر.. إخوة يوسف في طريقهم إلى العزيز.. تدهور حالهم الاقتصادي وحالهم النفسي.. إن فقرهموحزن أبيهم ومحاصرة المتاعب لهم، قد هدت قواهم تماما.. ها هم أولاء يدخلون علىيوسف.. معهم بضاعة رديئة.. جاءوا بثمن لا يتيح لهم شراء شيء ذي بال.. وعندما دخلواعلى يوسف - عليه السلام- رجوه أن يتصدق عليهم (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِقَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَابِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّاللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) انتهى الأمر بهم إلى التسول.. إنهم يسألونه أنيتصدق عليهم.. ويستميلون قلبه، بتذكيره أن الله يجزي المتصدقين.

عندئذ.. وسط هوانهم وانحدار حالهم.. حدثهم يوسف بلغتهم، بغير واسطة ولا مترجم:

قَالَهَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْمَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُأَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَاوَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) (يوسف)

يكاد الحوار يتحرك بأدق تعبير عنمشاعرهم الداخلية.. فاجأهم عزيز مصر بسؤالهم عما فعلوه بيوسف.. كان يتحدث بلغتهمفأدركوا أنه يوسف.. وراح الحوار يمضي فيكشف لهم خطيئتهم معه.. لقد كادوا لهوَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ

مرت السنوات، وذهب كيدهم له.. ونفذ تدبيرالله المحكم الذي يقع بأعجب الأسباب.. كان إلقاؤه في البئر هو بداية صعوده إلىالسلطة والحكم.. وكان إبعادهم له عن أبيه سببا في زيادة حب يعقوب له. وها هو ذايملك رقابهم وحياتهم، وهم يقفون في موقف استجداء عطفه.. إنهم يختمون حوارهم معهبقولهم (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّالَخَاطِئِينَ) إن روح الكلمات واعترافهم بالخطأ يشيان بخوف مبهم غامض يجتاحنفوسهم.. ولعلهم فكروا في انتقامه منهم وارتعدت فرائصهم.. ولعل يوسف أحس ذلك منهمفطمأنهم بقوله (قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْوَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) لا مؤاخذة، ولا لوم، انتهى الأمر من نفسي وذابتجذوره.. لم يقل لهم إنني أسامحكم أو أغفر لكم، إنما دعا الله أن يغفر لهم، وهذايتضمن أنه عفا عنهم وتجاوز عفوه، ومضى بعد ذلك خطوات.. دعا الله أن يغفر لهم.. وهونبي ودعوته مستجابة.. وذلك تسامح نراه آية الآيات في التسامح.

ها هو ذا يوسفينهي حواره معهم بنقلة مفاجئة لأبيه.. يعلم أن أباه قد ابيضت عيناه من الحزن عليه.. يعلم أنه لم يعد يبصر.. لم يدر الحوار حول أبيه لكنه يعلم.. يحس قلبه.. خلع يوسفقميصه وأعطاه لهم (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِييَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ). وعادت القافلة إلى فلسطين.

المشهد الثامن:

ما أنت خرجت القافلةمن مصر، حتى قال يعقوب -عليه السلام- لمن حوله في فلسطين: إني أشم رائحة يوسف، لولاأنكم تقولون في أنفسكم أنني شيخ خرِف لصدقتم ما أقول. فرد عليه من حوله ().

لكن المفاجأة البعيدة تقع. وصلت القافلة، وألقى البشير قميض يوسف علىوجه يعقوب -عليهما السلام- فارتدّ بصره. هنا يذكر يعقوب حقيقة ما يعلمه من ربه (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَتَعْلَمُونَ).

فاععترف الأخوة بخطئهم، وطلبوا من أباهم الاستغفار لهم، فهونبي ودعاءه مستجاب. إلا أن يعقوب عليه السلام (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْرَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ونلمح هنا أن في قلب يعقوب شيئا منبنيه، وأنه لم يصف لهم بعد، وإن كان يعدهم باستغفار الله لهم بعد أن يصفو ويسكنويستريح.

ها هو المشهد الأخير في قصة يوسف:

بدأت قصته برؤيا.. وها هو ذا الختام، تأويل رؤياه:

فَلَمَّادَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِنشَاء اللّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُسُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَارَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُممِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيإِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) (يوسف)

تأمل الآن مشاعره ورؤياه تتحقق.. إنه يدعو ربه (رَبِّ قَدْآتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَالسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِيمُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ).. هي دعوة واحدة.. تَوَفَّنِي مُسْلِمًا


{.... توقيع mony_fafa2007 ....}
 
 nor27780
 
nor27780
برنسيسه العاشقات
برنسيسه العاشقات

انثى
سجل فى : 13/07/2011
العمر : 44
عدد المساهمات : 1236
التقييم : 2
تاريخ الميلاد : 27/07/1980
المزاج : نص نص




مُساهمةموضوع: رد: يوسف عليه السلام   يوسف  عليه السلام Emptyالأربعاء 10 أغسطس 2011, 10:43 pm

ماشاء الله عليكى مواضيع
تعتبر موسوعه
ربنا يجازيكى خير و يجعلها فى ميزان حساناتك

{.... توقيع nor27780 ....}
 

يوسف عليه السلام

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى عاشقات الاشغال اليدوية :: القسم الاسلامى :: شخصيات اسلاميه-
جميع الحقوق محفوظه لمنتدي عاشقات الاشغال اليدوية ©ashkat.lolbb.comتصميم وتطوير ابن الاسلام منتديات احلى ستايل alt=الرئيسيه | التسجيل |مراسلة الادارة |احصائيات | الاعلى