أروى بنت الحارث

أروى بنت الحارث بن عبد المطلّب القرشيّة، ابنة عمّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم. أمّها غزيّة بنت قيس بن طريف من بني الحارث بن فهر بن مالك. ولدت بمكّة المكرّمة وسكنت المدينة المنوّرة بعد الإسلام وتوفيّت فيها نحو50 هــ/ نحو670م
تزوّجها أبو وداعة الحارث بن ضُبيرة (1) بن سعيد القرشيّ السّهميّ، فولدت له:الْمُطَّلِبَ وَأَبَا سُفْيَانَ وَأُمَّ جَمِيلٍ وَأُمَّ حَكِيمٍ وَالرَّبْعَةَ.
وكان زوجها قد رفض الإسلام وانحاز إلى المشركين بمكّة، وقاتل إلى جانبهم في معركة بدر فأسره المسلمون، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:تمسّكوا به، فإنّ له ابناً كيّساً. فخرج المطّلب بن أبي وداعة سرّاً، حتى فدى أباه بأربعة آلاف درهم، وهو أوّل أسير فدي من بدر، ولامته قريش في دفعه الفداء، فقال:ما كنت لأدع أبي أسيراً. فسار النّاس بعده إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ففدوا أسراهم.

أروى ترثي أباها
كانت أروى امرأة ثابتة الجنان، فصيحة اللّسان، تجيد قول الشّعر على السّليقة، فعندما توفّي أبوها في حياة جدّها المطلّب رثته بأبيات قائلة:

عيني جودا بدمع غير ممنون إن أنهما لا بدمع العين يشفيني
إني نسيت أبا أروى وذكرته عن غير ما بغضة ولا هون
مازال أبيض مكراماً ما لأسرته رحب المحاسن في خصب وفي لين
من آل عبد مناف إن مهلكه ولو لقيت رغوب الدهر يعصيني
من الذين متى ما تغش ناديهم تلق الحضارمة الشم العرانين

أروى تستثير حميّة قومها

كان قيصر الرّوم قد سجن بعض القرشيّين الذين دخلوا بلاد الشّام، وذلك بإيعاز من عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى بن قصيّ الذي قدم على القيصر، وكان قد رفض الأوثان ومات على النّصرانيّة. وكان بين السّجناء أبو أحيحة وأبو ذؤيب هشام بن شعبة بن عبد الله بن أبي قيس أحد بني عامر بن لؤيّ، فمات أبو ذؤيب في الحبس، وتكلّم عثمان في الباقين فخلّوا، وعندما وصل حبس أولئك الرّجال إلى قريش، قالت أروى بنت الحارث بن عبد المطّلب تحثّ قومها على التّحرك من أجل فكّ أسر السّجناء:

أَبْلِغْ لَدَيْكَ بَني عَمّي مُغَلْغَلَةً حَرْباً وَعَفّانَ أَهْلَ الصّيتِ وَالحَسَبِ
وَابْنَيْ رَبيعَةَ وَالأَعْياصَ كُلَّهُم وَاعْمُمْ بَني عَبْدِ شَمْسٍ سادَةَ العَرَبِ
ما لي أَراكُم قُعوداً في بِيوتِكُم وَخَيْرُكُمْ مِنْكُمْ للجارِ ذي الجَنَبِ
وَذو الحِفاظِ عَلى جُلِّ الأُمورِ إِذا نابَتْ نَوائِبُها في شِدَّةِ الكُرَبِ
أَبو أُحَيْحَةَ مَحْبوسٌ لَدى مَلِكٍ بالشّامِ في غَيْرِ ما ذَنْبٍ وَلا رِيَبِ
لَوْ كانَ بَعْضُكُمْ في غَيْرِ مَحْبَسِهِ أَلْفَيْتُموهُ شَديدَ الهَمِّ وَالنَّصَبِ
إِنَّ الذي صَدَّهُ عَنْكُمْ وَثَبَّطَكُم عَبْدٌ لِعَبْدٍ لئيمٍ حَقُّ مُجْتَلَبِ
لَوْ كانَ صَميماً في أَرومَتِكُم لَشَفَّهُ ما عَناكُمْ غَيْرَ ما كَذبِ

أروى بنت الحارث في بلاط معاوية
عاشت أروى إلى زمن معاوية بن أبي سفيان، وكان مقامها بالمدينة، فوفدت عليه في الموسم، وهي عجوز، فعاقبته على خصومته لابن عمّها الإمام عليّ بن أبي طالب وفاخرته ببني هاشم وفضلتهم على بني أميّة، وفي هذا يروى أنّ معاوية قال لها عندما قدمت إليه:مرحباً بك يا عمّة كيف كنت بعدي؟ فقالت:يا ابن أخي، قد كفرتَ يد النّعمة، وأسأت لابن عمّك الصّحبة، وتسمّيتَ بغير اسمك، وأخذتَ غير حقّك لا نبلاً منك ولا من أبيك في دنيا ولا سابقة كانت لكم في الإسلام، لكن كفرتم بما جاء به محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فأتعس الله منكم الجدود، وأضرع منكم الخدود، وردّ الحقّ إلى أهله، وكانت كلمتنا العليا، ونبيّنا المنصور على من ناوأه، ولو كره المشركون، فوثبتم علينا من بعده، واحتججتم على سائر العرب بقرابتكم من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، وأحقّ بهذا الأمر منكم، فكنّا أهل البيت أعظم الناس في الدّين حظّاً ونصيباً وقدراً، حتى قبض الله نبيّه صلى الله عليه مغفوراً ذنبه، مرفوعة درجته، شريفاً عند الله مرضيّاً، فصرنا أهل البيت منكم بمنزلة قوم موسى في آل فرعون، يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم؛ وصار سيّد المسلمين فيكم بعد نبيّنا بمنزلة هارون من موسى، حيث يقول:﴿ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي﴾ ولم يُجمع بعد رسول الله، صلّى الله عليه وآله، لنا شمل، ولم يُسهل لنا وعر، وغايتنا الجنّة، وغايتكم النار.
فقال لها عمرو بن العاص:كفّي أيّتها العجوز وغضّي طرفك واقصري من شرّ لفظك فإنّه أمير المؤمنين. فقالت ومن أنت لا أُمّ لك؟ قال:عمرو بن العاص. قالت:وأنت يا بن النابغة، تتكلّم وأمّك كانت أشهر امرأة تغنّي بمكّة وآخذهنّ لأجرة؛ ادّعاك خمسة نفر من قريش، فسُئلت أمّك عنهم، فقالت:كلّهم أتاني، فانظروا أشبههم به فألحقوه به، فغلب عليك شبه العاص بن وائل، فلحقت به. فقال مروان:كفّي أيتها العجوز، واقصدي لما جئت له. فقالت:وأنت أيضاً يا ابن الزّرقاء تتكلّم، ووالله لأنت أشبه ببشر مولى الحارث بن كلدة منك بالحكم بن أبي العاص، ولقد رأيت الحكم سبط الشّعر مديد القامة فإنّ بينكما من القرابة إلاّ كقرابة الفرس الضّامر من الأتان الـمُقرب فسل عمّا أخبرتك به أمّك فإنّها تعلمك ذلك. ثمّ التفتت إلى معاوية، فقالت:والله ما جرّأ عليّ هؤلاء غيرك، فإنّ أمّك القائلة في قتل حمزة:

نحن جزيناكم بيوم بدر والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان لي عن عتبة من صبر وشكر وحشي عليّ دهري
حتى ترمّ أعظمي في قبري

فأجابتها بنت عمّي، وهي تقول:

خزيت في بدر وبعد بدر يا ابنة جبّار عظيم الكفر

فقال معاوية:عفّا الله عما سلف، يا عمّة، هات حاجتك؛ قالت:مالي إليك حاجة؛ وخرجت عنه.
فقال معاوية لأصحابه:والله لو كلّمها من في مجلسي جميعاً لأجابت كلّ واحد بغير ما تجيب به الآخر! وإنّ نساء بني هاشم لأفصح من رجال غيرهم.
ويقال إنّ معاوية قال لها:يا خالة اقصدي، أنا الفداء لك لحاجتك، ودعي الأساطير عنك. قالت:تعطيني ألفي دينار وألفي دينار وألفي دينار. قال لها ما تصنعين بألفي دينار؟ قالت:أشتري بها عيناً خرّارة (2) في أرض خوّارة(3) تكون لفقراء بني الحارث بن عبد المطّلب. قال هي لك. قال وما تصنعين بألفي دينار؟ قالت:أزوّج بها فقراء بني الحارث بن عبد المطّلب. قال هي لك قال وما تصنعين بألفي دينار أخرى؟ قالت أستعين بها على شدّة الزّمان وزيارة بيت الله الحرام. قال قد أمرت لك بها يا خالة

سجل فى : 13/06/2011

أروى بنت الحارث

ردود موضوع : أروى بنت الحارث

أروى بنت الحارث